فادية العتيبي- ناقش علماءُ في الشّريعة وباحثون وخبراء مختصّون؛ في الجامعة الأردنيّة اليوم سبل النّهوض بالبحوث والدّراسات المتخصّصة في الاقتصاد الإسلامي ومقاصده من حيث تحديدُ الموضوعات، وإبرازُ الأحكام التي لها الأولويّة في موضوعات الاقتصاد والتّمويل الإسلامي التي تخدم احتياجات المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة، ما من شأنه إبرازُ أفكارٍ اقتصاديّة ومقاصديّة جديدة وجادّة يستفاد منها في الأبحاث والدّراسات العلميّة المعاصرة.
جاء ذلك خلال النّدوة العلميّة التي نظّمتها كلّيّة الشّريعة في الجامعة ومنتدى البَركة للاقتصاد الإسلامي بعنوان" نحو دراسات وبحوث رائدة في الاقتصاد الإسلامي ومقاصده" برعاية رئيس الجامعة الدّكتور نذير عبيدات وحضور عدد من الأساتذة نوّاب الرّئيس وعمداء الكلّيّات ومسؤولين في الجامعة وطلبة الكلّيّة.
وتهدف النّدوة التي جاءت بمشاركة علماءَ وباحثين وأكاديميّين وخبراءَ متخصّصين في الاقتصاد والصَّيرفة الإسلامية، إلى تجويد البحث العلمي في مجال الاقتصاد والتّمويل الإسلامي، وتوجيه الباحثين إلى المجالات المعرفيّة ذات البُعد العالَميّ في مجال الاقتصاد والتّمويل الإسلامي، وأيضًا تعميقِ الوعي الاقتصادي المقاصدي بين الباحثين وطلاب الدّراسات العليا، إلى جانب تقريب مخرجات البحث العِلميّ من احتياجات المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة.
وخلال افتتاحه لفعاليّات النّدوة، قال عبيدات: "لقد تمّ التّرويج للاقتصادِ الإسلاميّ خلال العقود السّابقة بشكلٍ طبيعيٍّ وعاطفيّ، بحيث أصبحت المفاهيم والأفكار الاقتصاديّة الإسلاميّة الأخلاقيّة غنيّة في القاعات المقدّسة داخل الأوساط الأكاديميّة، كما نجده مدفوعًا بهويّة ثقافيّة أكثر من رغبةٍ حقيقيّة في حلّ المشكلات، ما جعله ينتهج طرقًا ضيّقة، ركّزت على الخدماتِ المصرفيّة والتّمويل، ولم ترتقِ إلى أن تكون نظامًا شاملًا يتعاملُ مع مختلفِ التّحدّيات".
وأوضح أنّ التّقدّم في تحقيق أهداف التّنمية المستدامة والأهداف المناخيّة يتطلّب منّا الاستفادة من فكرنا ومواردنا المتنوّعة، لابتكار حلولٍ مبتكَرة لمشاكل العالم، منوِّها بأنّ هناك إمكاناتٍ كبيرةً لزيادة الاستفادة من التّمويل الإسلاميّ في تحقيقِ أهداف التّنمية المستدامة وأهداف المناخ، بناءً على مبادئ التّمويل الإسلاميّ الأساسيّة، ومع ذلك، حتّى الآن، تمّ ربط أقلّ من 1% من هذه الأموال بالأنشطةِ الخضراء والمستدامة.
وأكّد عبيدات ضرورة أن نراجعُ أنفسنا لصنع مستقبل نُثبت فيه للعالَمِ أنّ لدينا إرثًا عظيمًا، وأنّنا، كما أبهرنا الدّنيا في الماضي، قادرون على أن نُجبرَ العالم على احترامنا كباحثين، وأكاديميّين، واقتصاديّين، ومبتكرين.
بدوره؛ قال الأمين العامّ لمنتدى البَركة للاقتصاد الإسلامي الشّيخ يوسف الخلاوي؛ إنّنا نجتمع اليوم في انطلاقة سلسلة مهمّة من النّدوات التي تشكّل في أهدافها جزءًا من مهمّة المنتدى المتمثّلة في تطوير الاقتصاد الإسلامي والتّرويج له عالميًّا، مشيرًا إلى أنّ الأردنّ -وبحسب رأيه- يشكّل منصّة إقليميّة، كما يعتبر واحدًا من أوائل الدّول التي انطلق منها الاقتصاد الإسلامي لا عبر المصرفيّة الإسلاميّة فحسب، بل بالمفهوم الذي يشتمل على أدوات الاقتصاد الإسلامي، كما أنّ أوّل خمسة بنوكٍ إسلاميّة في العالم نشأت في الأردنّ بالإضافة إلى أهمّيّة ومكانة البحث العلميّ في الأردنّ والذي يأتي في مصافّ الدّول الخمسة الأولى في الإنتاج العلمي.
وأكّد الخلاوي في معرِض حديثه عن جائزة الشيخ صالح كامل للاقتصاد الرّقمي، أنّه ليس هناك أعرقُ من الجامعة الأردنيّة لإطلاق مثل هذه الجائزة العالميّة التي تطلَق للمرّة الأولى في الأردنّ، وعبر منصّة الجامعة الأردنيّة، عازيًا السّبب إلى وجود شركاء أقوياء مثل كلّيّة الشّريعة إلى جانب عدد من المؤسّسات المصرفيّة الإسلاميّة، وداعيًا إلى ضرورة العمل معًا وأن يكون التّعاون مع الجامعة الأردنيّة بمثابة نواة شراكةٍ عالميّة، من شأنها تحقيق رؤية المنتدى النّاضجة والوصول إلى مستقبلٍ واعد.
في حين أكّد عميد كلّيّة الشّريعة الدّكتور عبد الرحمن الكيلاني أنّ تجويد البحث العلميّ وتحقيق الرّيادة والابتكار فيه؛ واجبٌ شرعيّ ومسؤوليّة دينيّة فضلًا عن كونه مسؤوليّة أخلاقيّة وعلميّة وأكاديميّة، منوّهًا بأنّ الحاجة ما زالت ماسّة إلى الدّراسات العلميّة الرّائدة التي تسهم في إنتاج المعرفة، وتحقّق الإبداع والتّجديد، وتتّسم بالتّميّز والابتكار رغم تنامي الدّراسات العلميّة المعاصرة في المجالات المعرفيّة لعلوم الشّريعة الإسلاميّة.
وقال إنّ قيمة البحث العلمي الحقيقيّة هي بما ينتج عنه من أفكار وآراء ونتائج ترتبط بقضايا الحياة والواقع، وتشارك في التّصدّي للقضايا الاجتماعيّة والإنسانيّة، ومعالجة مشكلات الحياة المعقّدة، وتقديم الحلول والبدائل المناسبة التي تتحقّق بها مصالح النّاس، مشدّدًا على أنّ العالم اليوم أحوج ما يكون إلى الدّراسات الاقتصاديّة الرائدة التي تقدّم حلولًا مبتكرة، وتستحضر منظومة القيم الإسلاميّة في معالجة المشكلات التي تعاني منها المجتمعات والشعوب الإنسانيّة لا سيّما وقد ظهرت اليوم الأصوات الدّاعية إلى استحضار القيم الإنسانيّة في عالم الاقتصاد من خلال عناوين تعبر بوضوح عن الحاجة إلى بثّ الرّوح الأخلاقيّة في النّشاطات الاقتصاديّة، وتعكس ما يعيشه عالم الاقتصاد من أزمات أخلاقيّة تستدعي العلاج والإصلاح.
وشهدت النّدوة العلميّة؛ الإعلان عن إطلاق جائزة الشّيخ صالح كامل للاقتصاد الإسلاميّ، وهي أكبر جائزة عالميّة تطلق للمرة الأولى في الأردنّ من رحاب الجامعة الأردنيّة، وضمن حفل افتتاح فعاليّات النّدوة، والتّعريف بالجائزة التي تهدف إلى تعزيز البحث والابتكار في مجال الاقتصاد الإسلاميّ، وتشجيع المزيد من الأبحاث والدّراسات التي تساهم في تطوير الفكر الإقتصادي الإسلامي.
وخلال تقديمه للجائزة؛ قال الأستاذ في كلّيّة الشّريعة في الجامعة الدّكتور فادي الجبور إنّ تأسيس الجائزة جاء تقديرًا لإسهامات الشّيخ صالح كامل وهو أحد أبرز رجال الأعمال والدّاعمين لمسيرة الاقتصاد الإسلاميّ، وتُمنح سنويًّا لتكريم الباحثين الشّباب المبدعين الذين قدّموا إسهامات بارزة ومؤثّرة في تطوير الاقتصاد الإسلامي وتعزيز مبادئه، موضّحًا أنّ الجائزة هي الوحيدة على مستوى العالم بأكمله التي تسعى إلى تقديم علماء المستقبل، حيث تُمنح سنويًّا لأربعةِ باحثين وباحثات، ومجموعُ جوائزها يصل إلى (مليون ريال) سنويًّا.
وتخلّلت فعاليّات النّدوة، جلسة علميّة ترأّسها عميد كلّيّة الشّريعة في جامعة اليرموك الدّكتور محمد الطّلافحة، ناقشت عددًا من الموضوعات التي تصبّ محاوِرُها في ترسيخ أهداف النّدوة، والارتقاء بمنظومة البحث العلميّ في مجال الاقتصاد الإسلامي، قدّمها عدد من الباحثين والمتخصّصينَ المشاركين.
وتناول رئيس دائرة التّدقيق الشّرعي في البنك الإسلاميّ الأردنيّ الدّكتور علي أبو العزّ في ورقته البحثيّة موضوع "احتياجات المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة من المؤسّسات البحثيّة"، في حين تحدّث رئيس قسم المصارف الإسلاميّة في الجامعة الأردنيّة الدّكتور أحمد أبو سرحان في مداخلته حول "المعايير العلميّة للدّراسات الرّائدة في مجال فقه المعاملات الماليّة المعاصرة" كما وعرض رئيس قسم الفقه وأصوله في الجامعة الأردنيّة الدّكتور رائد أبو مؤنس لموضوع "الرّيادة والابتكار في المنتجات الماليّة الإسلاميّة"، وأيضًا سلّط مساعد عميد كلّيّة الشّريعة لشؤون التّصنيف والاعتماد الدّولي والخرّيجين في الجامعة الأردنيّة الدّكتور منير ماهر في ورقته الضّوء على متطلّبات نشر الأبحاث العلميّة في الاقتصاد والتّمويل الإسلاميّ في المجلات عالية التّصنيف.
وأقيم على هامش النّدوة، ورشة عمل بعنوان "نحو تفعيل مقاصد الاقتصاد الإسلاميّ في المجتمعات المعاصرة" شارك فيها كلٌّ من مدير مؤسّسة المقاصد - منتدى البَركة للاقتصاد الإسلاميّ الدّكتور عبد النّاصر حمدان بيومي، وعضو هيئة التّدريس في قسم المصارف الإسلاميّة في كلّيّة الشّريعة في الجامعة الأردنيّة الدّكتورة هيام الزّيدانين السّعودي.